قبل 11 عاما، أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة عسكرية تحت اسم “فجر الأوديسا” لإسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا تحت شعار الحرية والديمقراطية لكنها دفعت بالبلاد إلى اضطرابات أمنية واقتصادية مستمرة إلى يومنا هذا، قامت بتأجيجها بشكل غير مباشر ولكن عن طريق النخب السياسية الليبية الموالية لها والتي تنفذ أجنداتها المتمثلة بإطالة أمد الفوضى في هذا البلد الغني بالنفط، والذي كان فيما مضى على وشك توحيد القارة السمراء وإطلاق عملة افريقية موحدة لمجابهة هيمنة الدولار الأمريكي.
وما يحدث الآن في ليبيا يمكن تلخيصه في أن الساسة الليبيين وبالرغم من اختلاف آرائهم المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، نجحوا بوضع حجر الاساس الدستوري والقانوني لعقد هذه الإنتخابات، ولكن سرعان ما تداركت واشنطن ذلك ودفعت بالمبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، لأخذ زمام المبادرة من مجلسي النواب والدولة، وطرح مبادرة ورؤية خاصة به، وبحماية وغطاء من قبل الأمم المتحدة، حول كيفية عقد الانتخابات الليبية.
المبادرة أصبحت محور الانتقادات في الداخل الليبي، فجميع الساسة الليبيون والمحللون السياسيون أجمعوا على أن خطة المبعوث الاممي مبهمة والهدف منها لا يصب في مصلحة الليبيين، حيث قال عضو مجلس النواب جبريل اوحيدة إنه لا يُمكن دمج مبادرة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي في التعديل الدستوري الثالث عشر الأخير لأن التعديل أصبح نافذًا بتوافق من المجلسين.
اوحيدة وفي تصريحات صحفية، أوضح أن المسار الدستوري قد أُنجز ولم يتبقى سوى الاتفاق على القوانين الانتخابية والذهاب مباشرة نحو الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وبالتالي فليس هنالك أي سبب لطرح مبادرة جديدة أو خطة أو مسار جديد والعودة لنقطة الصفر والعودة إلى الخلافات والتناقضات وحرب المصالح.
ومن جهته أثنى أستاذ العلاقات الدولية محمد المنتصر على الرفض الذي جاء “سريعًا” من طرف مجلس النواب (مقره في الشرق)، ومجلس الدولة (الغرفة الثانية في البرلمان ومقرها في طرابلس)، كون الخطة ستعمل على إنهاء كل مباحثاتهما وكونها خطة أخرى “مبهمة” ومصيرها “الفشل أيضًا” من قبل الأمم المتحدة ومن خلفهما الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الهدف منها يكمن في السيطرة على التقدم المحرز من قبل المجلسين بما يتعلق بالانتخابات.
وقال المنتصر: “شهدنا سريعاً انتقاد مجلس النواب لإعلان المبعوث الدولي المبهم، كما أن رئيس المجلس الأعلى للدولة وعدد كبير من أعضائه، عبروا عن رفضهم واصفين مبادرة المبعوث كتدخل في القرار السيادي الوطني ومحاولة فرض الإرادة الدولية على الليبيين”.
والجدير بالذكر أنه وفور إعلان المبعوث السنغالي باتيلي خطته، سارعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى إعلان دعمهما لها. وحضت السفارة الأميركية في بيان “القادة الليبيين” على أخذ خطة الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا “بروح بناءة”.
في حين علّق على ذلك أيضًا المحلل السياسي محمد الباروني، الذي أشار في تصريح صحفي إلى أن مبادرة باتيلي المدعومة بشكل مطلق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، هدفها إحكام السيطرة على العملية الانتخابية وإقصاء المرشحين الغير مواليين من فرصة الترشح، وحتى عرقلة العملية بشكل كامل، لأنها على علم كامل بأن أجسامًا سياسية كبيرة في ليبيا ستقوم برفض المبادرة وبالتالي الإحجام عن العمل والتعاون مع المبعوث الأممي من أجل تحقيقها.